روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | التقاعد نهاية مرحلة وبداية أخرى 2ـ2

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > التقاعد نهاية مرحلة وبداية أخرى 2ـ2


  التقاعد نهاية مرحلة وبداية أخرى 2ـ2
     عدد مرات المشاهدة: 3642        عدد مرات الإرسال: 0

مع إقتراب سن التقاعد يبدأ الإنسان في القلق والحيرة والخوف من المجهول وغموضه، فحين تحل ساعة التقاعد عن العمل، يتغير نمط حياته الذي إعتاد عليه، وينتقل المتقاعد مباشرة إلى فراغ لم يألفه، وفي أغلب الأحوال لم يكن مستعداً له نفسياً وجسدياً ومالياً، حيث ينتقل من جو العمل والتزاماته وصخبه الى المكوث في المنزل فيقتله الملل والسأم والفراغ، ويبدأ في إثارة المشاكل بالمنزل لكثرة وتكرار طلباته، وقد يصاب المتقاعد ببدايات إكتئاب نتيجة لشعوره بإنعدام القيمة، وعدم القدرة على الإنتاج، والشعور بعدم الأمان، والخوف من الأيام القادمة، وخاصة في العام الأول للتقاعد وهو ما أكد عليه المختصون، الذين أشاروا إلى أن هذه التأثيرات النفسية تكون أشد وطأة على المتقاعد في العام الأول، وخاصة النصف الأول من هذا العام، إذ يعاني فيها المتقاعد من تحولات نفسية وجسدية عديدة يغذيها شعوره بفقدانه لمميزات العمل الرئيسية، فيغدو المتقاعد أكثر حساسية تجاه تعليقات وملاحظات الآخرين ممن حوله، ثم تبدأ حالة من الحزن وربما الكآبة في التسرب لروحه وجسده، ويميل ميلاً قسريَّاً نحو العزلة.

[] الإستجابة للتقاعد:

لكن ترى ما هى العوامل التي تؤثر على إستجابة الشخص للتقاعد؟ وما هى الآثار النفسية التي يتعرض لها المتقاعد اثر تقاعده عن العمل؟

= يقول الدكتور عزت عبد العظيم الطويل أستاذ علم النفس بكلية الآداب بالقاهرة، هناك عوامل تتعلق بإستجابة الشخص للتقاعد منها، السن، والحالة الإقتصادية، ونوعية زملاء العمل، وأصدقاء الفرد، فمثلا إذا كانت مجموعة الأصدقاء والزملاء تنظر إلى التقاعد نظرة إيجابية، فسيترك الفرد العمل بدون أدني شعور بالفقدان أو الإغتراب، ويصبح هذا الفرد متوافقا توافقا ناجحا، وكذلك ثؤثر إتجاهات الفرد نحو العمل على مشاعره نحو التقاعد، فكثيرا من الناس يقضون معظم وقتهم في ميدان العمل، ويجدون فيه إحترامهم لأنفسهم والشعور بأهمية ذاتهم، ولكن التقاعد يحرمهم من القيام بأدوارهم ويسحب البساط من تحت أرجلهم، وهي عملية صعبة ولا سيما لمن لا يجدون إشباعا ذاتيا من هوايات ونشاطات أخرى.

وتابع: هناك أربعة أنماط للمتقاعدين هم:

* أشخاص يعملون حبا في العمل، ومن يحب عمله مثلا يصاب بإلاكتئاب إذا واجه قرار التقاعد عن العمل، كما يصاب بالخوف والهلع لشعوره بأنه سوف يصبح غير نافع.

* أشخاص يعملون حماية لذواتهم، ومن يعمل حماية لذاته ينظر للتقاعد على أنه فترة عزلة وحاجة ماسة إلى مسئولية الآخرين.

* أشخاص يعملون إستغلالا لذواتهم، ومن يعمل إستقلالا لذاته، فإنه عادة ما يختار وظيفته بنفسه، وهو من يقرر هل يستمر في العمل أم لا؟، والشخص الذي يجبر على ترك العمل يصاب عادة بالإضطراب النفسي والإكتئاب، ويحتاج الى توجيه وارشاد.

* أشخاص يعملون أملا في تربية نفسه وتهذيبها، وهم عادة ما يكونوا سيدات ويمتازن بالمودة، وذوات تأثير إيجابي، ويتوقف توافقهن الإيجابي للتقاعد على نوعية إدراكهن لدورهن كزوجات، فضلا عن مدى إشباعهن لهذا الدور، وفي هذه الحالة فأنهن ينظرن إلى التقاعد على أنه شيئا مجديا لهن.

[] التوافق النفسي:

وإستطرد قائلا: هناك خمسة أنماط للتوافق النفسي للتقاعد، وهى المتوافقون توافق جيد، ويندرج تحت هذا النمط الأفراد الأسوياء، الذين لم يندموا على حياتهم الماضية، راضين بأحوالهم وظروفهم الحالية، ويجدون في الإحالة إلى التقاعد كل الخير، والمتوافقون على طريقة الكرسي الهزاز، ويندرج تحته كل من يرحب بالعمر المتقدم، حيث الحرية والتخفف من الأعباء والمسئوليات والنشود للراحة، والمتوافقون على طريقة المدرعات ويندرج تحته الأفراد الاقوياء الذين يستخدمون نشاطهم كطريقة للحماية والوقاية من السن المتقدم، فيكونوا راضين بحياتهم بعد سن التقاعد، والمتوافقون توافقا ضعيفا، وهؤلاء عندهم رضا ذاتيا بسيطا عند إحالتهم للتقاعد، ويلومون الآخرين عن أي فشل أو إخفاق أصابهم أثناء حياتهم المهنية، والمتوافقون على طريقة الذات اللوامة، وهم الأفراد الذين يلومون أنفسهم ويتحسرون على ما فات، فإستجابة الشخص بالرفض أو القبول لسن الإحالة إلى التقاعد، ما هي إلا محصلة مجموعة عوامل كثيرة من أهمها الصحة العامة، والوضع الإقتصادي، والحاجة إلى الإنجاز والتاريخ الشخصي، وإتجاه الشخص نحو الحياة.

[] الآثار النفسية:

وعن الآثار النفسية التي يتعرض لها المتقاعدين يقول الدكتور صلاح فؤاد مكاوي أستاذ علم النفس بكلية المعلمين بالإحساء، يختلف رد الفعل من شخص إلى آخر تبعا لشخصيته، فإما أن يدخل في عالم ملئ بالراحة، أو الألم، أو الفراغ، فإحالة الشخص إلى التقاعد يشعره بتدني قيمته الإجتماعية والمعنوية، فالعمل يعطي للشخص قيمة ومكانة إجتماعية، تضمن إحترام الآخرين له، وإستقلاله المادي عنهم، وبلوغ الإنسان سن التقاعد له تأثيرات سلبية على حياته الجسدية والنفسية والإجتماعية، وذلك لإرتباط هذه المرحلة بوصول الشخص إلى سن الشيخوخة أحيانا -فليس بالضرورة أن يكون المتقاعد من كبار السن- التي قد لا تسمح له من الناحية الجسمية بالحيوية نفسها والعطاء الذي كان عليهما من قبل، ويشعر بالضعف الجسدي، وفقدان النشاط البدني، يضاف إلى ذلك عجزه عن التقاط المعلومات بالسرعة المطلوبة، وحفظها بالذاكرة كما هو الشأن في فترة الطفولة أو الشباب، ويحدث تراجع في عمل الذاكرة الفورية أو الآنية عند المتقدم في السن، بحيث تنقص لديه القدرة على تذكر الأحداث التي جرت في الماضي القريب، بسبب التغيرات الدماغية، مع إحتفاظه بالقدرة الكبيرة على تذكر كل الأحداث وذكريات السنوات الغابرة، التي تحصل له خلال هذه المرحلة العمرية، كما أن الشعور السائد لدى الشخص المتقاعد هو الإهتمام بالماضي، والتوجه إلى ما هو روحاني، بحيث يصبح الشخص أكثر تعبداً من السابق وأكثر تشبثاً بمعتقداته الدينية، مع ذكره لحدث الموت بشكل متواصل، ويفسر ذلك إحساسه بقرب نهاية حياته الدنيوية، لذا يزداد الإرتباط العاطفي للمتقدم في السن بعائلته، لخوفه من الموت والوحدة والعزلة، ويشعر المتقاعد بعزله قاسية، فينسحب من النشاط الإجتماعي، وينطوي على نفسه، ويقل شعوره بالإنتماء، ويصبح أكثر حساسية تجاه تعليقات وملاحظات محيطه الأسري، وتتسرب إليه الكآبة والحزن، ويصاب بالقلق لفرط إحساسه بفقدان الكثير من خاصياته.

¤ الحـــــــل‏:

ويرى الدكتور مكاوي أن إستخدام الإرشاد بالمعنى في خفض بعض الإضطرابات النفسية لدى الفرد المتقاعد من الأساليب الفعالة في تحسين صحته النفسية، حيث إشتق هذا الأسلوب الإرشادي من العلاج بالمعنى، ويقصد به التعامل مع الظواهر النفسية من خلال المعنى، ويركز هذا المنحى على معنى الوجود الإنساني، ومهمتة الأساسية التركيز على البعد الروحاني أو المعنوي للإنسان، ويهدف المعالج الذي يستخدم هذا المنحى العلاجي إلى مساعدة الشخص على إكتشاف المعاني التي تنطوي عليها حياته، والتي قد لا يكون على وعي كاف بها، ويساعده على إدراك أن مصيره بيده، وعليه أن يواجه حياته من خلال إختياراته الحرة، وأنه مسئول عن كل ما وصل إليه من نجاح أو فشل في الحياة، ويعيد علاقته بعالمه، وتكمن أهمية هذا الإتجاه في إثارة نضال الفرد المتقاعد من أجل إيجاد معنى للحياة، وإيضاح معنى وجوده من خلال تعميق فهمه لذاته، وتحقيق الصحة النفسية له، فيكون قادرا على مواجهة الأزمات النفسية التي تطرأ عليه، والتكيف بينه وبين نفسه، وبينه وبين العالم الخارجي، والإجابة على معضلة كيف يعيش المتقاعد حياته بعد التقاعد؟ وما هي الأجواء المحيطة به؟ وما هي الخدمات والبرامج التي تقدمها أجهزة الدولة والمؤسسات المعنية له؟ وأيضاً كيفية توفير التهيئة المناسبة لبلوغ سن التقاعد؟ كل هذا يأتي عبر الإنخراط في قنوات إجتماعية ينشط فيها المتقاعد، وتمنحه فرصة جديدة لوضع إطار جديد لحياته خلال هذه المرحلة.

وفي السياق ذاته أشار الدكتور عبيد الله بن صلاح اللحياني عضو هيئة التدريس بقسم الإدارة التربوية والتخطيط بجامعة أم القرى إلى أهمية التخطيط المبكر لهذه المرحلة، وكيفية إستثمارها الإستثمار الصحيح.

وتابع: من الملاحظ أن بعض المتقاعدين ينقصهم ما يسمى بثقافة التقاعد، مما يجعلهم عرضة لهذه المشاكل النفسية بعد التقاعد، لأنهم ليس لديهم تصور مناسب لهذه المرحلة.

فالمتقاعد يمكن أن يستثمر وقته في كل ما هو نافع ومفيد، ويرتيب الأوراق الشخصية والعائلية والإجتماعية الخاصة به، ويهتم بذاته، ويحقق ما لم يسمح الوقت بتحقيقه خلال زحمة العمل.

وأوضح أنه يمكن الإستفادة من هؤلاء المتقاعدين من خلال الإستشارات أو القيام بالدراسات والبحوث، حيث أثبتت الدراسات أن المتقاعدين الذين يملكون الخبرة في مجال عملهم أكثر فاعلية وحيادية ممن لا يزالون على رأس العمل، وأنهم يقدمون أفكارا مناسبة للتطوير، كما أثبتت الدراسات كذلك أنهم قادرون على الإنخراط في العمل التطوعي، إضافة إلى الإلتزام بمسؤولياتهم تجاه أسرهم ورعايتهم سواء على الصعيد الديني أو الإجتماعي أو الإقتصادي.

[] الأسرة والحكومة:

ونظرا لحساسية الفترة التي يمر بها المتقاعد عقب إحالته للتقاعد رأى علماء النفس أن هناك دور على كل من الحكومة والأسرة تجاه المتقاعد، للتقليل من الإضطراب النفسي الذي يصيبه بعد سن التقاعد، فعلى الأسرة تقديم الدعم النفسي للمتقاعد، وهذا الدعم يعد من أكثر الأمور أهمية لإمتصاص التوتر الذي يحل على المتقاعد خاصة في المرحلة الإنتقالية، ويكون ذلك من خلال إستشارته في الأمور المنزلية والقرارات الشخصية لأفراد العائلة، وإشعاره بقيمته الفعلية بين أفرادها، وأنه العنصر الأساسي في وجودها، والإعتماد على خبرته وتجاربه قدر المستطاع، بالإضافة إلى الإهتمام بحالته الصحية.

‏كما يجب على الجهات الحكومية وغير الحكومية، نشر ثقافة مرحلة التقاعد، وأن التقاعد ليس نهاية للحياة، بل يجب على الشخص أن يخطط لهذه المرحلة قبل حدوثها بعدة سنوات، يُرتّب أوضاعه المالية، يُهييء أفراد عائلته بأن مرحلة التقاعد قادمة، وأن أسلوب وطريقة الحياة سوف تتغير، وعليهم مساعدة المتقاعد على إيجاد أنشطة متنوعة عن طريق الجهات الخيرية والإجتماعية، ومساعدة الجهات الحكومية في دعم مثل هذه الأنشطة، لأن هذا سيقلل من وقع التقاعد على الموظف عندما يُغادر مكتبه لآخر مرة بعد خدمةٍ طويلة.

الكاتب: رشا عرفة.

المصدر: موقع رسالة المرأة.